العلم ذل ساعة وعز الى قيام الساعة
ذكر الاصمعي عن حياته تنشيطا للطالب فقال :
كنت اطلب العلم وأنا مقل معدم , وعلى بابنا بقال كلما خرجت أوقفني وقال لي : الى اين ؟ فأقول الى فلان المحدث و إذا عدت في المساء يقول لي من اين فأقول من عند فلان الاخباري او الغوي فيقول : ياهذا اقبل نصيحتي واعمل بما تنجح فلا تضيع نفسك وطالب معاشا يعود عليك نفعه واعطيني جميع ما عنك من الكتب اطرحها في هذا الدن واصب عليها من الماء وانبذه فأنظر ما يكون منه والله لو طلبت بجميع ما عندك من الكتب جوزة ما اعطيك فكلما سمعت ذلك منه يضيق صدري من كلامه ونصحه البارد . ولازال كذلك كلما ذهبت وجئت حتى مللت منه وحتى كنت اخرج من بيتي ليلا وحالي في اثناء ذلك يزداد ضيقا وفقرا حتى اقضى بي الامر الى أن ابيع اجر بيتي وبعض اخشابه ولا اصل الى نفقة بيتي وطال شعري واخلولق ثوبي واتسخ بدني ولم اجد ما يعينني على امري ...
فبينما انا كذلك متحيرا في امري اذ جاءني خادم للأمير محمد بن سليمان قال أجب الأمير ...
قلت في نفسي : وما يصنع الأمير برجل قد بلغ به الفقر والعوز الى ما ترى ...
فلما رأى سوء حالي وقبح منظري رجع فأخبر الأمير بخبري وعا إلي ومعه وعاء يصان به الثياب ودرج فيه بخور وقال : أمرني الأمير أن ادخلك الحمام والبسك من هذا الثياب واطعمك من هذا الطعام ......فسررت بذلك سرورا كثيرا وقلت في نفسي : سبحان من سخره لي في اضيق الاوقات ..فقمت وامضيت جميع ما قال ومضيت معه حتى دخلنا على محمد بن سليمان فقربني اليه على مرتبة عالية وقال : ياعبد الملك قد اخترتك لتأديب ولد أمير المؤمنين فأعمل على الخروج على بابه وانظر كيف يكون فأخدت جميع ما يلزمن وذهبت مع رسول محمد بن سليمان الى بغداد ودخلت على هارون الرشيد فسلمت عليه فرد علي السلام وقال : اعلم أن ولد الرجل مهجة قلبه وثمرة فؤاده وقد اسلمت اليك ابني محمدا بأمانة الله فلا تعلمه ما يفسد عليه دينه فلعله أن يكون للمسلمين إماما فتعجب الأصمعي حين قال الرشيد (فلا تعلمه ما يفسد عليه دينه )فقال في نفسه: و هكذا يكون اهتمام الملوك بأبنائهم .
فأخرجه الى فتحولت معه الى دار فيها من أصناف الخدم والفرش ما يسر , وأجرى عليا في كل شهر عشرة الالف درهم وأمر بأن يخرج علي في كل يوم مائدة فلزمته , وكنت انفذ جميع ما يجتمع لدي الى البصرة , فعمرت داري واشتريت ضياعا لي .
ثم نبع الغلام وتفقه وتأذب وروى الشعر واللغة وروى ايام العرب فإستعرضه الرشيد فأعجب به وقال : ياعبد الملك أريد أن يصلي بالناس إماما يوم الجمعة فإختر له خطبة يخطبها ....
فخرج وصلى بالناس فأعجب الرشيد به واتتنى بالجوائز والصلات من كل ناحية ثم ارسل الرشيد ورائي وقال: ..قد أحسنت فتمن فقلت : وما عسيت أن اتمنى ؟ وقد حزت آمالي ....
فأمر لي بمال عضيم حتى اغناني عن كل شيئ فقلت : إن أذن لي امير المؤمنين بالسير الى البصرة , فكتب لي بما اردت ثم اتجهت الى البصرة , فما تأخر عني أحد ...فلما كان اليوم الثالث تأملت من جاءني من الناس فإذا البقال الذي كان يلومني على طلب العلم , عليه ثياب ورداء ضعيف فقال لي : كيف كنت ياعبد الملك ودكرني بما كنت من فقر وعدم ودكرت نصيحته بترك العلم فإستضحكت من حماقته فقلت : ...بخير وقد قبلت وصيتك وجمعت ما عندي من الكتب وطرحتها في الدن كما أمرت وصبت عليها الماء فخرج ما ترى بعينك .
ثم أحسنت اليه بعد ذلك فجعلته وكيلي واحسنت عشرته .
من كتاب الفرج بعد الشدة للتوخي