انَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ
وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ
قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ
فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ
وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ
تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ."
قال الاعمش عن المنهال بن عمرو بن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : " كان قارون بن عم موسى
وكذا قال ابراهيم النخعي وعبد الله بن الحرث بن نوفل وسماك بن حرب وقتادة ومالك بن دينار وابن جريح
وزاد فقال هو قارون بن يصهر بن قاهت وموسى بن عمران بن هافث قال بن جريح وهذا قول اكثر اهل
العلم أنه كان بن عم موسى .ورد قول ابن اسحاق أنه كان عم موسى , قال قتادة وكان يسمى النور
لحسن صوته , التوراة , لكن عدو الله نافق كما نافق السامري فأهلمه البغى لكثرة ماله .
وقال شهر بن حوشب زاد في ثيابه شبرا طولا ترفعا على قومه وقد دكر الله تعالى كثرة كنوزه حتى أن
مفاتيحه كان يثقل حملها على القيام من الرجال الشداد وقد قيل انها كانت من الجلود وانها كانت تحمل
على اكثر من ستين بغلا فالله اعلم وقد وعضه النصحاء من قومه قائلين : لا تفرح أي لا تبطر بما اعطيت
وتفخر على غيرك. " إن الله لا يحب الفرحين ." وابتغ فيما اتك الله الدار الآخرة ." يقولون لتكن همتك
مصروفة لتحصيل ثواب الله في الدار الآخرة فإنه خير وابقى." ولا تنسى نصيبك من الدنيا ." ومع هذا أي
وتناول منها بمالك ما احلى الله لك فتمتع لنفسك بالملاذ الطيبة الحلال " واحسن كما احسن الله اليك."
أي واحسن الى خلق الله كما احسن الله خالقهم وبارئهم اليك ." ولا تبغ الفساد في الارض " أي ولا
تسيئ اليهم ولا تفسد فيهم فتقابلهم ضد ما امرت فيهم فيعاقبك ويسلبك ما وهبك ." إن الله لا يحب
المفسدين ."فما كان جواب قومه لهذه النصيحة ."قال انما أؤتيته على علم عندي ." يعني لا احتاج الى
الى استعمال ما ذكرتم ولا الى ما اليه أشرتم , فإن الله انما اعطاني هذا لعلمه اني استحقه واني اهل
له .
ثم رواه البخاري من حديث جرير بن زيد عن سالم عن ابي هريرة عن النبي (ص) نحوه وقد ذكر بن عباس
والسدي أن قارون أعطى إمرأة مالا بغيا على أن تقول لموسى عليه السلام وهو في ملا من الناس
انك فعلت بي كذا وكذا فيقال انها قالت له ذلك فأرعد من الفرق وصلى ركعتين ثم اقبل عليها فإستحلفها
من ذلك على ذلك وما حملك عليه فذكرت ان قارون هو الذي حملها على ذلك واستغفرت الله وتابت اليه
فعند ذلك خر موسى للله ساجدا ودعا الله على قارون , فأوحى الله اليه اني قد أمرت الارض أن تطيعك
فيه فأمر موسى الأرض أن تبتلعه وداره فكان ذلك , وقد قيل أن قارون لما خرج على قومه في زينته مر
بجحفله وبغاله وملابيه على مجلس موسى عليه السلام وهو يذكر قومه بايام الله فلما رآه الناس
انصرفت وجوه كثير من الناس ينظرون اليه فدعا موسى عليه السلام فقال له : ما حملك على هذا ؟
فقال : " يا موسى أما لئن كنت فضلت علي بالنبوة , فلقد فضلت عليك بالمال , ولئن شئت لتخرجن
فلتدعون على ولادعون عليك , فخرج وخرج قارون في قومه فقال له موسى تدعو أو أدعو ؟ فقال أدعو أنا
فدعى قارون فلم يجب في موسى فقال موسة أدعو ؟ قال : نعم فقال موسى : اللهم مر الارض
فلتطعني اليوم فاوحى الله اليه اني قد فعلت فقال موسى يا ارض خذيهم فاخدتهم الى اقدامهم ثم قال
خديهم فاخدتهم الى اقدامهم ثم قال خديهم فاخدتهم الى ركبهم ثم الى مناكبهم ثم قال اقبلي بكنوزهم
واموالهم فاقبلت بها حتى نظروا اليها ثم اشار موسى بيده فقال :" اذهبوا بني لاوي فاستوت بهم الارض