[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]الحسد فى القرآن " .ومن أمراض القلوب التى شقت طريقها الى قلوب الكثير – إلا من رحم الله – داء الحسد
، فما الذى دفع أحد أبناء آدم عليه السلام ليقتل أخاه ثم يندم على فعله الآثم ، إنه
الحسد ، وما الذى جعل إخوة يوسف عليه السلام يلقونه فى الجب دون ذنب ارتكبه ،
إنه الحسد ، وما الذى جعل الملأ من بنى إسرائيل يرفضون ملك طالوت ويقولون : غنى
يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ؟ إنه الحسد ، وما الذى منع المشركين من
اتباع النبى صلى الله عليه وسلم ويقولون : " {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ
الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (31) سورة الزخرف ؟ إنه الحسد ، وما الذى أوقد نار الغيرة عند إبليس
اللعين ليظل خلف آدم حتى يخرجه من الجنة ؟ أنه الحسد ، وما الذىجعل أهل الكتاب
يريدن أن يرتد المؤمنون عن دينهم الحق ليكونوا كفاراً ؟ إنه الحسد .
فما هو الحسد ؟ وما هى احكامه ؟ وكيف يمكن دفعه ؟ وما هى الأسباب المؤدية إليه ؟
وما هو جزاء الحاسد فى الدنيا والآخرة ؟ الحسد : هو تمنى زوال نعمة الغير ، سواء تمن الحاسد أن لا تتحول النعمة إليه أو
تتحول ، أو تمنى عدم مصاحبة النعمة للمحسود .
والحسد نوعان : مذموم ومحمود ، فالمذموم أن تتمنى زوال نعمة الله عن أخيك المسلم
، وسواء تمنيت مع ذلك أن تعود إليك أو لا ، وهذا النوع الذي ذمه الله تعالى في كتابه
بقوله "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله"النساء 54 وإنما كان مذموماً لأن
فيه تسفيه الحق سبحانه ، وأنه أنعم على من لا يستحق . وأما المحمود فهو ما جاء
في صحيح الحديث من قوله عليه السلام :
"لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه
الله ما لاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار" . صحيح رواه البخاري هذا الحسد معناه
الغبطة . وحقيقتها : أن تتمنى أن يكون لك ما لأخيك المسلم من الخير والنعمة ولا يزول
عنه خيره ، وقد يجوز ان يسمى هذا منافسة ، ومنه قوله تعالى : "وفي ذلك فليتنافس
المتنافسون"
وقد ورد لفظ الحسد فى القرآن الكريم صريحاً فى مواضع وتلميحاً فى مواطن آخرى ،
يقول سبحانة : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا)(54) سورة النساء ويقول سبحانة : {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ
لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (109)
سورة البقرة .وقد يكون الرجل فى طبعه الحسد وهو غافل عن المحسود ، لاه عنه ،
فإذا خطر على ذكره وقلبه انبعثت نار الحسد من قلبه إليه وتوجهت سهام الحسد من
قلبه فيتأذى المحسود بمجرد ذلك ، فإن لم يستعذ المحسود بالله ويتحصن به ناله شر الحاسد .
وللحسد اسباب عديدة منها :
1- تمكن الدنيا من القلب ، إذ قد يخشى الحاسد أن يكون غيره فى نعمة ، أو تطرأ عليه نعمة تدفعه الى منازعته فى منصبه ، فيتمنى أن يظل المحسود على حالة ليضمن لنفسه متاع الدنيا الزائل .
2- قلة الإيمان وضعفه فى قلب الحاسد ، ولأن الحاسد لا يعلم علم اليقين أن الله عز وجل يعطى ويمنع لحكمة يعلمها سبحانه ، وقد يكون البلاء منه سبحانة عطاء ، وقد تكون النعمة نقمة ، والنقمة نعمة : {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (216) سورة البقرة.
3- العداوة والبغضاء ، وهذه العداوة قد تكون من أثر ظلم وقع على الحاسد من المحسود ، أو بسبب أن قلب الحاسد جبل على الشر والبغى والعدوان : {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (120) سورة آل عمران
4- شدة البخل :، فإن لم يؤد صاحب النعمة واجبها بالإحسان الى الفقراء والمساكين وكل من له عليه حق ، فقد يتمنى الجميع زوال تلك النعمة ، وهذا واضح جلى فى علاقة الجار بجاره ، إذ لو أحسن الجار لجاره ما تمنى زوال نعمته أبداً ، وكذا حال الفقير مع الغنى .
5- إرادة تسخير الناس ، حيث يتمنى الحاسد أن يظل جميع الناس تحت إرادته وسيطرته يسخرهم كيف يشاء وحسب ما أراد ، فإذا حلت نعمة بأحدهم سيخرج بها من تحت سيطرته وتسخيره تمنى أن يظل على حالة ليضمن لنفسه الهيمنة والسيطرة وذلك لمرض فى قلبه ، فهو فى الآخرة من جنود إبليس : {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ} {وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} (الشعراء : 94 ، 95) وحسناته مآلها للمحسود ، وهو مع المشركين لتشبهه بهم فى تمنيهم زوال النعمة عن المؤمنين ، وفى الدنيا يعيش فى هم وحزن دائمين بنزول نعم الله على عباده ، إضافة الى بغضه فى قلوب الخلق وتعرضه للبلاء الدائم ، وصدق القائل :
أصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتلـه
فالـنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]ويمكن دفع الحسد بوسائل عديدة منها :
1- التوحيد الخالص : إذ لابد للعبد أن يعلم أن الأمور كلها بيد الله ، وأن الأمة لو اجتمعت على أن يضروه بشئ فلن يضروه إلا بشئ قد كتبه الله عليه : {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ} (17) سورة الأنعام والتوحيد هو حصن الله الأعظم الذى من دخله كان من الآمنين .
2- التوبة الى الله من كل الذنوب : فالذنوب هى سبب تسليط المؤذين ، وما يعلمه العبد من ذنوبه أقل بكثير مما لا يعلمه ، وذلك عندما قابل أحد السلف رجل أغلظ عليه ونال منه قال له : قف ، ثم دخل بيته وسجد لربه وتاب وأناب إليه ، ولما سئل ما صنعت ؟ قال : تبت الى الله من الذنب ، سلطك الله به على : {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (30) سورة الشورى .
3- قراءة القرآن وتدبر آياته ، فالقرآن هو الشفاء من كل الادواء – بدنية كانت أو قلبية - : {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} (82) سورة الإسراء، ومن هنا لبيان الجنس لا للتبعيض ، كما قال ابن القيم ، رحمة الله .
4- الدعاء والرقية ، حيث إن سلامة القلب نعمة من الله على صاحبها ، ولذلك فإن طلب تلك النعمة من رب العالمين طريقها الدعاء والإخلاص فيه : {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (10) سورة الحشر .
5- ولقد رقى جبريل ، عليه السلام ، النبى صلى الله عليه وسلم فقال : "بسم الله أرقيك من كل شئ يؤذيك ، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك" .
6- الإحسان الى الحاسد والصبر عليه ، يقول سبحانه : {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (34) سورة فصلت .
فمقابلة الإساءة بالحسنة ، والبغض بالحب ، والأذى بالإحسان هو من سمات المؤمنين ، ولذا لما آذى النبى صلى الله عليه وسلم قومه حتى سال الدم من قدمه الشريفة قال : "اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون" . وهو القائل صلى الله عليه وسلم : "واعف عمن ظلمك ، وصل من قطعك" وهو القائل صلى الله عليه وسلم : "ليس الواصل بالمكافئ ، وإنما والواصل من إذا قطعته رحمه وصلها" ولأن الجزاء من جنس العمل ، فإن أهل الجنة لا يتحاسدون ولا يتباغضون يقول سبحانة وتعالى (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (43) سورة الأعراف
فيا أيها الحاسد ، تب الى ربك من ذلك المرض العضال ، لأنه محبط للعمل ، ماحق للبركة ، جالب للهم ، موقعك فى سخط الله وغضبه ، فانشغل بنفسك ، فالمؤمن يسر وينصح والمنافق يهتك ويفضح ، وتمنى لأخيك ما تتمناه لنفسك .
فنسأل الله سبحانه أن يرزقنا سلامة الصدر ، فهى التى لا نطيق